فصل: من فوائد ابن عرفة في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} الآية.
إن الذي قدر على إخراج الماء من الصخرة الصمَّاء كان قادرًا على إروائهم بغير ماء ولكن لإظهار المعجزة فيه، وإيصال محل الاستغاثة إليه، وليكون على موسى عليه السلام- أيضًا في نقل الحجر- مع نفسه شغل، ولتكليفه أن يضرب بالعصا مقاساةُ نوعٍ من معالجةِ ما أمضى حكمه عند استسقائه لقومه.
ثم أراد الحق سبحانه أن يكون كل قوم جاريًا على سُنَّتْ، ملازمًا لحَدّه، غير مُزَاحِمٍ لصاحبه فأفرد لكل سبطة علامةً يعرفون بها مشربهم، فهؤلاء لا يَرِدُون مشرب الآخرين، والآخرون لا يَرِدُون مشرب الأولين.
وحين كفاهم ما طلبوا أمرَهُم بالشكر، وحِفْظِ الأمرِ، وتَرْكِ اختيار الوِزر، فقال: {وَلاَ تَعْثَوْا في الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
والمناهل مختلفة، والمشارب متفاوتة، وكلٌّ يَرِدَ مَشْرَبه فمشربٌ عَذْبٌ فُرات، ومشربٌ مِلْح أُجاج، ومشربٌ صافِ زلال، ومشرب رتق أوشال. وسائقُ كلِّ قوم يقودهم، ورائد كُلِّ طائفة يسوقهم؛ فالنفوس تَرِدُ مناهل المنى والشهوات، والقلوب ترد مشارب التقوى والطاعات، والأرواح ترد مناهل الكشف والمشاهدات، والأسرار ترد مناهل الحقائق بالاختطاف عن الكون والمرسومات، ثم عن الإحساس والصفات ثم بالاستهلاك في حقيقة الوجود والذات. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر}.
أخذ منه الإمام المازري جواز استسقاء المخصب للمجدب لأن موسى عليه الصلاة والسلام لم ينله من الاحتياج وقد استسقى لهم.
ورده ابن عرفة بأنه نبي مرسل إليهم وهو معهم فليس مثل هذا.
قوله تعالى: {فانفجرت}.
أجاز الزمخشري أن تكون الفاء جواب شرط مقدر أي فإن ضربت فقد انفجرت.
ورده أبو حيان بأن الشرط لا يحذف، وإن سلم فيلزمه فساد المعنى والتركيب لأن الشرط وجوابه مستقبلان، وانفجرت ماض لفظا ومعنى إذ لا تدخل الفاء على الماضي إلا إذا كان دعاء أو ماضيا لفظا ومعنى ولأنه المفهوم من الآية.
وأجاب المختصر بأنّ {اضرب} أمر مُضَمَّنٌ معنى الشرط فليس فيه حذف، ومنع فساد المعنى والتركيب بأنه كقوله تعالى: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} قال فجوابه محذوف أي فإن كذبوك فاصبر لأنه كذبت رسل من قبلك.
وان ضربت فسّر أو لم ينكر ونحوه، فإنه قد انفجرت، أي أردنا وحكمنا أنها انفجرت.
قال ابن عرفة: وقد يقال إن يكذبوك فعل ماضٍ وعبر عنه بالمستقبل لأجل التصديق فهو حكاية مستقبل مضى، أي كان مستقبلا فصار ماضيا، ولاسيما أنهم حين نزول الآية كان التكذيب قد وقع منهم لأنها ليست من أول ما نزل وكذلك قوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القوم قَرْحٌ مِّثْلُهُ} قالوا: أنزلت في غزوة بدر، وقد كان ذلك واقعا قبلها.
ويمكن أن يكون معنى {تلك} الآية وأن يدوموا على تكذيبك ولا يزال الشرط مستقبلا، وقول الصفاقسي: أنَّ {اضرب} مضمن معنى الشرط.
قال الزمخشري: جعل الفاء جواب الشرط مقدر لأنها جواب شرط مفهوم من الأمر فلم يتوارد على محل واحد. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ}.
فيه ثماني مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِذِ استسقى موسى لِقَوْمِهِ} كُسرت الذال لالتقاء الساكنين.
والسين سين السؤال؛ مثل: استعلم واستخبر واستنصر، ونحو ذلك؛ أي طلب وسأل السَّقْيَ لقومه.
والعرب تقول: سقيته وأسقيته، لغتان بمعنًى؛ قال:
سقى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى ** نُمَيْرًا والقبائلَ من هِلال

وقيل: سقيتُه من سقي الشَّفَة، وأسقيته دَلَلْته على الماء.
الثانية: الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس القطر، وإذا كان كذلك فالحكم حينئذ إظهار العبودية والفقر والمسكنة والذِّلة مع التوبة النَّصوح.
وقد استسقى نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم: فخرج إلى المصلَّى متواضعًا متذلّلًا متخشعًا مترسِّلًا متضرّعًا وحسبك به! فكيف بنا ولا توبة معنا إلا العناد ومخالفة رب العباد؛ فأنَّى نُسْقَى! لكن قد قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمْطَرُوا» الحديث.
وسيأتي بكماله إن شاء الله.
الثالثة: سُنّة الاستسقاء الخروج إلى المصلَّى على الصفة التي ذكرنا والخطبة والصلاة؛ وبهذا قال جمهور العلماء.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس من سُنّته صلاة ولا خروج، وإنما هو دعاء لا غير.
واحتج بحديث أنس: الصحيح، أخرجه البخاريّ ومسلم.
ولا حجة له فيه؛ فإن ذلك كان دعاء عُجِّلت إجابته فاكتفى به عما سواه، ولم يقصد بذلك بيان سُنّة؛ ولما قصد البيان بيّن بفعله، حسب ما رواه عبد اللَّه بن زيد المازنيّ قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحوّل رداءه ثم صلى ركعتين. رواه مسلم.
وسيأتي من أحكام الاستسقاء زيادة في سورة هود إن شاء الله.
الرابعة: قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} العصا: معروف، وهو اسم مقصور مؤنّث وألفه منقلبة عن واو؛ قال:
على عَصَوَيْهَا سابِرِيُّ مُشَبْرَقُ

والجمع عُصِيّ وعِصِيّ، وهو فعول، وإنما كُسرت العين لما بعدها من الكسرة؛ وأعْصٍ أيضًا مثله؛ مثل زَمَنٍ وأزْمُنٍ.
وفي المثل: العَصَا من العُصَيّة أي بعض الأمر من بعض.
وقولهم: أَلْقَى عصاه أي أقام وترك الأسفار؛ وهو مَثَل.
قال:
فألقتْ عصاها واستقر بها النَّوَى ** كما قَرّ عَيْنًا بالإياب المسافِرُ

وفي التنزيل: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه: 17 18].
وهناك يأتي الكلام في منافعها إن شاء الله تعالى.
قال الفرّاء: أوّل لحن سُمع بالعراق هذه عصاتي.
وقد يعبّر بالعصا عن الاجتماع والافتراق؛ ومنه يقال في الخوارج: قد شَقُّوا عصا المسلمين؛ أي اجتماعهم وائتلافهم.
وانشقت العصا؛ أي وقع الخلاف؛ قال الشاعر:
إذا كانت الهَيْجاءُ وانشقت العصا ** فحسْبُكَ والضّحاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

أي يكفيك ويكفي الضحاك.
وقولهم: لا ترفع عصاك عن أهلك؛ يراد به الأدب. والله أعلم.
والحجر معروف، وقياس جمعه في أدنى العدد أحجار، وفي الكثير حِجار وحجارة؛ والحجارة نادر.
وهو كقولنا: جَمَل وجِمَالة، وذَكَر وذِكَارة؛ كذا قال ابن فارس والجوهري.
قلت: وفي القرآنِ {فَهِيَ كالحجارة} [البقرة: 74].
{وَإِنَّ مِنَ الحجارة} [البقرة: 74].
{قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً} [الإسراء: 50] {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ} [الفيل: 4].
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} [الحجر: 74] فكيف يكون نادرًا، إلا أن يريدا أنه نادر في القياس كثير في الاستعمال فصيح. والله أعلم.
قوله تعالى: {فانفجرت} في الكلام حذف؛ تقديره فضرب فانفجرت.
وقد كان تعالى قادرًا على تفجير الماء وفلق الحجر من غير ضرب؛ لكن أراد أن يربط المسبّبات بالأسباب حكمةً منه للعباد في وصولهم إلى المراد؛ وليرتّب على ذلك ثوابهم وعقابهم في المعاد.
والانفجار: الانشقاق؛ ومنه انشق الفجر.
وانفجر الماء انفجارا: انفتح.
والفُجْرة: موضع تفجّر الماء.
والانبجاس أضيق من الانفجار؛ لأنه يكن انبجاسا ثم يصير انفجارا.
وقيل: انبجس وتبجّس وتفجّر وتفتّق، بمعنًى واحد؛ حكاه الهَرَوِيّ وغيره.
الخامسة: قوله تعالى: {اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا} اثنتا في موضع رفع بانفجرت وعلامة الرفع فيها الألف.
وأُعربت دون نظائرها لأن التثنية معرَبة أبدًا لصحة معناها.
{عَيْنًا} نُصب على البيان.
وقرأ مجاهد وطلحة وعيسى {عَشِرة} بكسر الشين؛ وهي لغة بني تميم، وهذا من لغتهم نادر؛ لأن سبيلهم التخفيف.
ولغة أهل الحجاز: {عشْرة} وسبيلهم التثقيل.
قال جميعه النحاس.
والعَيْن من الأسماء المشتركة؛ يقال: عَيْنُ الماء، وعَيْنُ الإنسان، وعينُ الرُّكْبة، وعين الشمس.
والعَيْن: سحابة تُقبل من ناحية القِبلة.
والعين: مطر يدوم خمسًا أو سِتًّا لا يقلع.
وبلد قليل العَيْن: أي قليل الناس.
وما بها عين، محرّكة الياء.
والعين: الثقب في المزادة.
والعَيْنُ من الماء مُشَبّهة بالعين من الحيوان؛ لخروج الماء منها كخروج الدمع من عين الحيوان.
وقيل: لما كان عين الحيوان أشرف ما فيه، شُبّهت به عين الماء؛ لأنها أشرف ما في الأرض.
السادسة: لما استسقى موسى عليه السلام لقومه أمر أن يضرب عند استسقائه بعصاه حجرًا؛ قيل: مربّعًا طُوِريًّا من الطور على قدر رأس الشاة يلقى في كسر جُوالق ويُرحل به؛ فإذا نزلوا وُضع في وسط محلّتهم.
وذُكر أنهم لم يكونوا يحملون الحجر لكنهم كانوا يجدونه في كل مرحلة في منزلته من المرحلة الأولى؛ وهذا أعظم في الآية والإعجاز.
وقيل: إنه أطلق له اسم الحجر ليضرب موسى أيّ حجر شاء؛ وهذا أبلغ في الإعجاز.
وقيل: إن الله تعالى أمره أن يضرب حجرًا بعينه بيّنه لموسى عليه السلام؛ ولذلك ذكر بلفظ التعريف.
قال سعيد بن جُبير: هو الحجر الذي وضع عليه موسى ثوبه لما اغتسل، وفرّ بثوبه حتى بَرّأه الله مما رماه به قومه.
قال ابن عطية: ولا خلاف أنه كان حجرًا منفصلًا مربّعًا، تطّرد من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى، وإذا استغنوا عن الماء ورحلوا جفّت العيون.
قلت: ما أوتى نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم من نبع الماء وانفجاره من يده وبين أصابعه أعظم في المعجزة؛ فإنَّا نشاهد الماء يتفجّر من الأحجار آناء الليل وآناء النهار؛ ومعجزة نبيّنا عليه السلام لم تكن لنبيّ قبل نبيّنا صلى الله عليه وسلم، يخرج الماء من بين لحم ودم! روى الأئمة الثِّقات والفقهاء الأثبات عن عبد اللَّه قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم نجد ماء فأتيَ بتَوْر فأدخل يده فيه؛ فلقد رأيت الماء يتفجّر من بين أصابعه ويقول: «حيّ على الطّهور» قال الأعمش: فحدّثني سالم بن أبي الجَعْد قال قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفا وخمسمائة.
لفظ النسائي.
السابعة: قوله تعالى: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} يعني أن لكل سِبْط منهم عينًا قد عرفها لا يشرب من غيرها.
والمَشْرَب: موضع الشرب.
وقيل: المشروب.
والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وهم ذُرّية الاثني عشر أولاد يعقوب عليه السلام؛ وكان لكل سِبْط عَيْنٌ من تلك العيون لا يتعدّاها.
قال عطاء: كان للحَجَر أربعة أوجه، يخرج من كل وجه ثلاث أعين، لكل سِبط عَين لا يخالطهم سواهم.
وبلغنا أنه كان في كل سبط خمسون ألف مقاتل سوى خيلهم ودوابهم.
قال عطاء: كان يظهر على كل موضع من ضربة موسى مثل ثدي المرأة على الحجر فيعرق أوّلًا ثم يسيل.
الثامنة: قوله تعالى: {كُلُواْ واشربوا} في الكلام حذف تقديره وقلنا لهم كلوا المنّ والسلوى، واشربوا الماء المتفجّر من الحجر المنفصل.
{وَلاَ تَعْثَوْاْ} أي لا تفسدوا.
والعيث: شدّة الفساد؛ نهاهم عن ذلك.
يقال: عَثِي يَعْثَى عُثِيًّا، وعثا يَعْثُو عُثُوًّا، وعاث يَعِيث عَيْثًا وعُيُوثًا ومَعَاثًا؛ والأوّل لغة القرآن.
ويقال: عَثّ يَعُثّ في المضاعف: أفسد؛ ومنه العُثّة، وهي السُّوسة التي تَلْحَس الصّوف.
و{مُفْسِدِينَ} حال؛ وتكرر المعنى تأكيدًا لاختلاف اللفظ.
وفي هذه الكلمات إباحة النعم وتعدادها، والتقدّم في المعاصي والنهي عنها. اهـ.